المبحث الثاني
النوع الثاني من الأفكار التسلطية
وهي الأفكار التسلطية الأخرى
وسأضرب لها بعض الأمثلة :
المثال الأول : الخوف من المستقبل ،أو الخوف من الموت أو الخوف من الأمراض الفتاكة كالإيدز والسرطان ونحوه .
المثال الثاني : الأفكار المتعلقة بالعنف وخوف الإنسان من القتل أو إلحاق الأذى به .
المثال الثالث: الأفكار المتعلقة بعدم النظافة والخوف الشديد من لمس الأشياء المتسخة .
المثال الرابع : الأفكار التي تلح على الموسوس أن يفعل فعلا معينا أو حركة معينة وإن لم يفعلها فقد يصاب بأذى ونحوه .
المثال الخامس : شك الزوج بزوجته أو شك الزوجة بزوجها .
وهناك الكثير من الأفكار التسلطية غير ما ذكرت هنا تركتها لأنها كثيرة جدا ولم أرد حصرها وإنما التمثيل لها فقط .
وبعد أن ضربنا الأمثلة على هذه الأفكار نصل إلى المرحلة الأهم وهي كيفية الخلاص منها :
فنقول وبالله التوفيق :
أن هذه الأفكار جميعا إنما هي في الأصل من الشيطان
يريد بها إحزان الإنسان وإصابته بالهم والقلق لأن الشيطان كما هو معلوم
عدو للإنسان
وعداوته قديمة جدا فلقد أقسم أن يغوي آدم وذريته
فهو يبذل كل ما في وسعه لإضلالها عن طريق الهدى والرشاد
ولكن هل يكتفي بهذه .. لا والله لأن عداوته مبنية على الحقد والحسد
يقول الله عز وجل على لسان إبليس : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ) الإسراء61
ويقول سبحانه وتعالى عنه :
( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) الأعراف12
فها هو الشيطان يتكبر على أبينا آدم ويرى أنه خير منه ولذا رفض السجود له حسدا وكبرا !!
وهذا الحسد لا يتعلق بأبينا آدم فقط بل حتى ذريته أجمعين مسلمهم وكافرهم !
قال تعالى :
(قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ) الإسراء62
فلا يمكن أن يسلم منه إلا من عصمه الله تعالى
ولهذا فالشيطان يبذل كل ما يستطيع لكي ينتقم من ذرية آدم عليه السلام بكل وسيلة يستطيعها
يقول الله تعالى :
(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ) الإسراء64.
وهذه العداوة مستمرة إلى قيام الساعة
قال تعالى : ( قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) الحجر36
فمن أجل هذا سيبقى الشيطان يكيد لذرية آدم عليه السلام وينتقم منهم
بطريقين :
أولا : إضلالهم عن عبادة الله تعالى .
ثانيا: بذل كل ما يستطيع ليعيش الإنسان في قلق وضيق
وذلك باستفزازه
كما يقول تبارك وتعالى :
{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} الإسراء64.
يقول الطبري رحمه الله : (يقول تعالى ذكره بقوله : (وَاسْتَفزِزْ ) واستـخفف و استـجهل، من قولهم: استفزّ فلانا كذا وكذا فهو يستفزّه ) . ومن الاستفزاز الذي يمارسه الشيطان هو هذه الأفكار التسلطية التي تزعج الإنسان وتصيبه بالخوف والضيق
نسأل الله تعالى أن يعافي المسلمين منها
حيث يبدأ الإنسان بالتفاعل معها مما يؤدي به في النهاية إلى أن يعيش في حسرة وقلق وحزن دائم بسببها .
فما هو الحل يا ترى ؟
الحل هو اتباع الطرق التالية :
أولا : الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم .
ثانيا : معرفة كذب هذه الأفكار لأنها من الشيطان وهو ( ( كذوب ) )كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
والكذوب معناه كثير الكذب .
وأنت أيها الموسوس أو الموسوسة لكم سنين طويلة تعانون من هذه الأفكار
ولقد اكتشفتم كذبها ولله الحمد .
ثالثا : اعتقاد نقيضها ، فلو وسوس لك أنك لم تقفل الباب فتأكد أنك قمت بقفله .
وكذلك إن وسوس لك أن ابنك قد وقع له حادث سير لا سمح الله فتأكد أنه بخير .. وهكذا .
رابعا : الفرح بها لأنها تأتي خلاف الواقع ولو كانت حقيقة لما وسوس لك الشيطان بها .
خامسا : التوقف عن الاسترسال معها وعدم الاستمرار بالتفكير بها بل توقف مباشرة ولا تسترسل .
وإياك والدخول معها في نقاشات علمية لأنها في النهاية ستغلبك ولن تستفيد من نقاشك شيئا !!
بل تخيل أن أحدا من الناس جلس أربع ساعات وهو يناقشك في قضية ما وهو أقوى حجة منك
أليس مصيرك في النهاية هو الاقتناع بها حتى لو كانت خاطئة !
فكذلك الوسواس سيقنعك في النهاية مع تفاهة الفكرة وسخافتها لأنه
أقوى منك حجة !! ، لا سيما وأنت ضعيف التركيز مهموم القلب فلا يمكنك والحالة هذه أن تصمد أمام الوسواس.
فالحل هو التوقف وعدم الاسترسال معه .
سادسا : عدم تنفيذ الفكرة التي يلح عليها الوسواس فلو ألح عليك بالتأكد من قفل الأبواب فلا تفعل .
أو ألح عليك بالذهاب إلى الطبيب من أجل فكرة تسلطية فلا تفعل
أو ألح عليك بفعل حركة معينة فلا تفعلها نهائيا
وللعلم فكلامي هنا موجه للمصاب بالأفكار التسلطية وليس للشخص الطبيعي .
سابعا: ابتعد عن الوحدة والفراغ فهي أساس المشكلة وهي السبب الرئيس في زيادة الأفكار التسلطية .
فحاول يا أخي الموسوس ويا أختي الموسوسة
أن تكثروا من الجلوس مع الآخرين والحديث معهم والاستماع إلى أخبارهم
وملاطفة الأزواج وملاعبة الأطفال ، وإدخال السرور على الوالدين ، وإدخال البهجة على الأهل والأصحاب .
فكل هذه الأمور كفيلة بإذن الله تعالى بزوال الوسواس .
ثامنا : إذا جاءتك الفكرة فأشغل نفسك بأمر آخر بعيد كل البعد عن هذا الوسواس .
ولإشغال النفس عن الوسواس طرق :
الطريقة الأولى : التسبيح والتهليل والاستغفار وذكر الله عز وجل
واستمر في ذلك حتى تزول الوساوس وإن عادت فعد للذكر مرة أخرى . (وهذه أنجع الطرق وأفضلها على الإطلاق )
الطريقة الثانية : ابحث لك عن شغل يدوي يحتاج إلى تركيز وانتباه .
فإن كنت رجلا فاستغل ذلك بإصلاح ما فسد في المنزل من سباكة أو كهرباء أو أدوات كهربائية
أو قم بقضاء الأعمال المتأخرة لديك .
أما بالنسبة للمرأة فتستغل ذلك بالخياطة أو ملاعبة الأطفال أو حل الواجبات ومذاكرة الدروس .
الطريقة الثالثة : ابدأ بحل المسائل الرياضية أو اللعب بالألعاب التي تحتاج إلى تركيز وهي كثيرة جدا وفي متناول اليد
سواءا كانت في الجوال أو في الكمبيوتر أو حتى في الورقة واحرص أن تكون من المباح شرعا .
تاسعا : استمر على فعل هذه الخطوات مع كل فكرة تسلطية تواجهك وتحمل المعاناة التي تأتيك في البداية
فما هي إلا أيام قليلة وستتلاشى عنك بإذن الله وستعود طبيعيا كما كنت .
ونفذ هذا مع كل فكرة .